كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ففيه انه افساد للاصول المسلمة العقلية والنقلية التي يستنتج منها حقائق مقامات الأنبياء والعلماء بالله من الصديقين والشهداء والصالحين وما بنى عليه البحث عن كرائم الاخلاق ان الإنسان بحسب فطرته في سعة من التخلق بها ومحق الرذائل النفسانية التي اصلها واساسها اتباع هوى النفس وايثار مرضاة الله سبحانه على كل مرضاة وبغية وهذا أمر نرجوه من كل من ارتاض بالرياضات الخلقية من اهل التقوى والورع فما الظن بالانبياء.
ثم بمثل يعقوب عليه السلام منهم.
وليت شعرى إذا لم يكن في استطاعة الإنسان ان يخالف هوى نفسه في امثال هذه الأمور فما معنى هذه الا وامر والنواهي الجمة في الدين المتعلقة بها وهل هي الا مجازفة صريحة.
على ان فيما ذكره ازراء لمقامات انبياء الله واوليائه وحطا لمواقفهم العبودية إلى درجة المتوسطين من الناس اسراء هوى انفسهم الجاهلين بمقام ربهم وقد عرف سبحانه انبياء بمثل قوله: {واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم} الأنعام: 87 وقال في يعقوب وابويه إبراهيم واسحاق عليه السلام: «وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا واوحينا إليهم فعل الخيرات واقام الصلاة وايتاء الزكاء وكانوا لنا عابدين» الأنبياء: 73 وقال فيهم أيضا: {انا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} ص 46.
فاخبر انه هداهم إلى مستقيم صراطه ولم يقيد ذلك بقيد وانه اجتباهم وجمعهم واخلصهم لنفسه فهم مخلصون بفتح اللام لله سبحانه لا يشاركه فيهم مشارك فلا.
يبتغون الا ما يريده من الحق ولا يؤثرون على مرضاته مرضاة غيره سواء كان ذلك الغير انفسهم أو غيره وقد كرر سبحانه في كلامه حكاية اغواء بنى آدم عن الشيطان واستثنى المخلصين: {لا غوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين} ص: 83.
فالحق ان يعقوب انما كان يحب يوسف واخاه في الله سبحانه لما كان يتفرس منهما التقوى والكمال ومن يوسف خاصة ما كانت تدل عليه رؤياه ان الله سيجتبيه ويعلمه من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليه وعلى آل يعقوب ولم يكن حبه هوى البتة.
ومنها ما ذكره بعضهم ان مرادهم من قولهم: {ان ابانا لفى ضلال مبين} ضلاله في الدين وقد عرفت ان سياق الآيات الكريمة يدفعه.
ويقابل هذا القول بوجه قول آخرين ان اخوة يوسف كانوا انبياء وانما نسبوا اباهم إلى الضلال في سيرته والعدول في امرهم عن العدل والاستقامة وإذا اعترض عليهم بما ارتكبوه من المعصية والظلم في اخيهم وابيهم اجابوا عنه بأن ذلك كانت معصية صغيرة صدرت عنهم قبل النبوة أو لا بأس به بناء على جواز صدور الصغائر عن الأنبياء قبل النبوة وربما اجيب بجواز ان يكونوا حين صدور المعصية صغارا مراهقين ومن الجائز صدور امثال هذه الأمور عن الاطفال المراهقين وهذه اوهام مدفوعة وليس قوله تعالى: {واوحينا إلى إبراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والاسباط} النساء: 163 الظاهر في نبوة الاسباط صريحا في اخوة يوسف.
والحق ان اخوة يوسف لم يكونوا انبياء بل كانوا اولاد انبياء حسدو يوسف واذنبوا بما ظلموا يوسف الصديق ثم تابوا إلى ربهم واصلحوا وقد استغفر لهم يعقوب ويوسف عليه السلام كما حكى الله عن ابيهم قوله: {سوف استغفر لكم ربى} الآية 98 من السورة بعد قولهم: {يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين} وعن يوسف قوله: {يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين} الآية: 92 من السورة بعد اعترافهم له بقولهم: {وان كنا لخاطئين}.
ومنها قول بعضهم ان اخوة يوسف انما حسدوه بعد ما قص عليهم رؤياه وقد كان يعقوب نهاه ان يقص رؤياه على اخوته والحق ان الرؤيا انما اوجبت زيادة حسدهم وقد لحق بهم الحسد قبل ذلك كما مر بيانه.
قوله تعالى: {اقتلوا يوسف أو اطرحوه ارضا يخل لكم وجه ابيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين} تتمة قول اخوة يوسف والآية تتضمن الفصل الثاني من مؤامرتهم في مؤتمرهم الذي عقدوه في أمر يوسف ليرسموا بذلك خطة تريح نفوسهم منه كما ذكره تعالى بقوله: {وما كنت لديهم إذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون} الآية 102 من السورة.
وقد ذكر الله سبحانه متن مؤامرتهم في هذه الآيات الثلاث: {قالوا ليوسف واخوه احب إلى ابينا منا ونحن عصبة إلى قوله ان كنتم فاعلين}.
فأوردوا اولا: ذكر مصيبتهم في يوسف واخيه إذ صرفا وجه يعقوب عنهم إلى انفسهما وجذبا نفسه اليهما عن سائر الاولاد فصار يلتزمها ولا يعبأ بغيرهما ما فعلوا وهذه محنة حالة بهم توعدهم بخطر عظيم في مستقبل الأمر فيه سقوط شخصيتهم وخيبة مسعاهم وذلتهم بعد العزة وضعفهم بعد القوة وهو انحراف من يعقوب في سيرته وطريقته.
ثم تذاكروا ثانيا في طريق التخلص من الزرية بطرح كل منهم ما هيأه من الخطة ويراه من الرأى فأشار بعضهم إلى لزوم قتل يوسف وآخرون إلى طرحه ارضا بعيدة لا يستطيع معه العود إلى ابيه واللحوق بأهله فينسى بذلك اسمه ويمحو رسمه فيخلو وجه ابيهم لهم وينبسط حبه وحبائه فيهم.
ثم اتفقوا على ما يقرب من الراى الثاني وهو ان يلقوه في قعر بئر ليلتقطه بعض السيارة ويذهبوا به إلى بعض البلاد النائية البعيدة فينقطع بذلك خبره ويعفى اثره.
فقوله تعالى: {اقتلوا يوسف} حكاية لاحد الرأيين منهم في امره وفي ذكرهم يوسف وحده وقد ذكروا في مفتتح كلامهم في المؤامرة يوسف واخاه معا: {ليوسف واخوه احب إلى ابينا منا} دليل على انه كان مخصوصا بمزيد حب يعقوب وبلوغ عنايته واهتمامه وان كان اخوه أيضا محبوا بالحب والاكرام من بينهم وكيف لا؟ ويوسف هو الذي رأى الرؤيا وبشر بأخص العنايات الإلهية والكرامات الغيبية وقد كان اكبرهما والخطر المتوجه من قبله إليهم اقرب مما من قبل اخيه ولعل في ذكر الاخوين معا اشارة إلى حب يعقوب لامهما الموجب لحبه بالطبع لهما وتهييج حسد الاخوة وغيظهم وحقدهم بالنسبة اليهما.
وقوله: {أو اطرحوه ارضا} حكاية رأيهم الثاني فيه والمعنى صيروه أو غربوه في ارض لا يقدر معه على العود إلى بيت ابيه فيكون كالمقتول ينقطع اثره ويستراح من خطره كالقائه في بئر أو تغريبه إلى مكان ناء ونظير ذلك.
والدليل عليه تنكير ارض ولفظ الطرح الذي يستعمل في القاء الإنسان المتاع أو الاثاث الذي يستغنى عنه ولا ينتفع به للاعراض عنه.
وفي نسبة الرأيين بالترديد إليهم دليل على ان مجموع الرأيين كان هو المرضي عند اكثر الاخوة حتى قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف إلخ.
وقوله: {يخل لكم وجه ابيكم} أي افعلوا به احد الامرين حتى يخلو لكم وجه ابيكم وهو كناية عن خلوص حبه لهم بارتفاع المانع الذي يجلب الحب والعطف إلى نفسه كأنهم ويوسف إذا اجتمعوا واباهم حال يوسف بينه وبينهم وصرف وجهه إلى نفسه فإذا ارتفع خلا وجه ابيهم لهم واختص حبه بهم وانحصر اقباله عليهم.
وقوله: {وتكونوا من بعده قوما صالحين} أي وتكونوا من بعد يوسف أو من بعد قتله أو نفيه والمال واحد قوما صالحين بالتوبة من هذه المعصية.
وفي هذا دليل على انهم كانوا يرونه ذنبا واثما وكانوا يحترمون أمر الدين ويقدسونه لكن غلبهم الحسد وسولت لهم انفسهم اقتراف الذنب وارتكاب المظلمة وآمنهم من عقوبة الذنب بتلقين طريق يمكنهم من الاقتراف من غير لزوم العقوبة الإلهية وهو ان يقترفوا الذنب ثم يتوبوا.
وهذا من الجهل فان التوبة التي شأنها هذا الشأن غير مقبولة البتة فان من يوطن نفسه من قبل على المعصية ثم التوبة منها لا يقصد بتوبته الرجوع إلى الله والخضوع لمقامه حقيقة بل انما يقصد المكر بربه في دفع ما اوعده من العذاب والعقوبة مع المخالفة لامره أو نهيه فتوبته ذيل لما وطن عليه نفسه اولا: ان يذنب فيتوب فهى في الحقيقة تتمة ما رامه اولا من نوع المعصية وهو الذنب الذي تعقبه توبة وليست رجوعا إلى ربه بالندم على ما فعل وقد تقدم البحث عن معنى التوبة في تفسير قوله تعالى: {انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة} الآية النساء 17 في الجزء الرابع من الكتاب.
وقيل المراد بالصلاح في الآية صلاح الأمر من حيث سعادة الحياة الدنيا وانتظام الأمور فيها والمعنى وتكونوا من بعده قوما صالحين بصلاح امركم مع ابيكم.
قوله تعالى: {قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة ان كنتم فاعلين} الجب هو البئر التي لم يطو أي لم يبن داخلها بالحجارة وان بني بها سميت البئر طويا والغيابة بفتح الغين المنهبط من الأرض الذي يغيب ما فيه من الانظار وغيابة الجب قعره الذي لا يرى لما فيه من الظلمة.
وقد اختار هذا القائل الرأى الثاني المذكور في الآية السابقة الذي يشير إليه قوله: {أو اطرحوه ارضا} الا انه قيده بما يؤمن معه القتل أو أمر آخر يؤدى إلى هلاكه كأن يلقى في بئرو يترك فيها حتى يموت جوعا أو ما يشاكل ذلك فما ابداه من الرأى يتضمن نفى يوسف من الأرض من غير ان يتسبب إلى هلاكه بقتل أو موت أو نقص يشبهه فيكون اهلاكا لذي رحم وهو ان يلقى في بعض الابار التي على طريق المارة حتى يعثروا به عند الاستقاء فيأخذوه ويسيروا به إلى بلاد نائية تعفو اثره وتقطع خبره والسياق يشهد بأنهم ارتضوا هذا الراى إذ لم يذكر رد منهم بالنسبة إليه وقد جرى عملهم عليه كما هو مذكور في الآيات التالية.
واختلف المفسرون في اسم هذا القائل بعد القطع بانه كان احد اخوته لقوله تعالى: {قال قائل منهم} فقيل هو روبين ابن خالة يوسف وقيل هو يهوذا وقد كان اسنهم واعقلهم وقيل هو لاوى ولا يهمنا البحث فيه بعد ما سكت القرآن عن تعريفه باسمه لعدم ترتب فائدة هامة عليه. وذكر بعضهم ان تعريف الجب باللام يدل على انه كان جبا معهودا فيما بينهم وهو حسن لو لم يكن اللام للجنس وقد اختلفوا أيضا في ان هذا الجب اين كان هو؟ على اقوال مختلفة لا يترتب على شيء منها فائدة طائلة.
قوله تعالى: {قالوا يا ابانا ما لك لا تأمنا على يوسف وانا له لناصحون} أصل لا تأمنا لا تأمننا ثم ادغم بالادغام الكبير.
والآية تدل على ان الاخوة اجمعوا على قول القائل لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابة الجب واجمعوا على ان يمكروا بابيهم فيأخذوا يوسف ويفعلوا به ما عزموا عليه وقد كان ابوهم لا يأمنهم على يوسف ولا يخليه واياهم فكان من الواجب قبلا ان يزكوا انفسهم عند ابيهم ويجلوا قلبه من كدر الشبهة والارتياب حتى يتمكنوا من اخذه والذهاب به.
ولذلك جاؤا اباهم وخاطبوه بقولهم: {يا ابانا} وفيه اثارة للعطف والرحمة وايثار للمودة: {ما لك لا تأمنا على يوسف وانا له لناصحون} أي والحال انا لا نريد به الا الخير ولا نبتغى الا ما يرضيه ويسره.
ثم سألوه ما يريدونه وهو ان يرسله معهم إلى مرتعهم الذي كانوا يخرجون إليه ماشيتهم وغنمهم ليرتع ويلعب هناك وهم حافظون له فقالوا ارسله معنا إلخ.
قوله تعالى: {ارسله معنا غدا يرتع ويلعب وانا له لحافظون} الرتع هو توسع الحيوان في الرعى والإنسان في التنزه واكل الفواكه ونحو ذلك. وقولهم ارسله معنا غدا يرتع ويلعب اقتراح لمسؤلهم كما تقدمت الإشارة إليه.
وقولهم: {وانا لحافظون} اكدوه بوجوه التأكيد إن واللام والجملة الاسمية على وزان قولهم: {وانا له لناصحون} كما يدل ان كل واحدة من الجملتين تتضمن نوعا من التطيب لنفس ابيهم كأنهم قالوا: ما لك لا تأمنا على يوسف فان كنت تخاف عليه ايانا معشر الاخوة كأن نقصده بسوء فانا له لناصحون وان كنت تخاف عليه غيرنا مما يصيبه أو يقصده بسوء كأن يدهمه المكروه ونحن مساهلون في حفظه ومستهينون في كلاءته فانا له لحافظون.
فالكلام مسوق على ترتيبه الطبعى ذكروا اولا انه في امن من ناحيتهم دائما ثم سالوا ان يرسله معهم غداة غد ثم ذكروا انهم حافظون له ما دام عندهم وبذلك يظهر ان قولهم: {وانا له لناصحون} تأمين له دائمي من ناحية انفسهم وقولهم: {وانا له لحافظون} تأمين له موقت من غيرهم.
قوله تعالى: {قال انى ليحزنني ان تذهبوا به واخاف ان ياكله الذئب وانتم عنه غافلون} هذا ما ذكر ابوهم جوابا لما سألوه ولم ينف عن نفسه انه لا يأمنهم عليه وانما ذكر ما ياخذه من الحالة النفسانية لو ذهبوا به فقال وقد اكد كلامه: {انى ليحزنني ان تذهبوا به} وقد كشف عن المانع انه نفسه التي يحزنها ذهابهم به لا ذهابهم به الموجب لحزنه تلطفا في الجواب معهم ولئلا يهيج ذلك عنادهم ولجاجهم وهو من لطائف النكت.
واعتذر إليهم في ذلك بقوله: {واخاف ان ياكله الذئب وانتم عنه غافلون} وهو عذر موجه فان الصحارى ذوات المراتع التي تأوى إليها المواشى وترتع فيها الاغنام لا تخلو طبعا من ذئاب أو سباع تقصدها وتكمن فيها للافتراس والاصطياد فمن الجائز ان يقبلوا على بعض شانهم ويغفلوا عنه فيأكله الذئب.
قوله تعالى: {قالوا لئن اكله الذئب ونحن عصبة انا إذا لخاسرون} تجاهلوا لابيهم كأنهم لم يفقهوا الا انه يأمنهم عليه لكن يخاف ان ياكله الذئب على حين غفلة منهم فردوه رد منكر مستغرب وذكروا لتطيب نفسه انهم جماعة اقوياء متعاضدون ذوو بأس وشدة واقسموا بالله ان اكل الذئب اياه وهم عصبة يقضى بخسرانهم ولن يكونوا خاسرين البتة وانما اقسموا كما يدل عليه لام القسم ليطيبوا نفسه ويذهبوا بحزنه فلا يمنعهم من الذهاب به وهذا شائع في الكلام وفي الكلام وعد ضمنى منهم له انهم لن يغفلوا لكنهم لم يلبثوا يوما حتى كذبوا انفسهم فيما اقسموا له واخلفوه ما وعدوه إذ قالوا: {يا ابانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فاكله الذئب} الآية.
قوله تعالى: {فلما ذهبوا به واجمعوا ان يجعلوه في غيابت الجب} قال الراغب اجمعت على كذا اكثر ما يقال فيما يكون جمعا يتوصل إليه بالفكرة نحو فاجمعوا امركم وشركاءكم قال ويقال اجمع المسلمون على كذا اتفقت آراؤهم عليه انتهى.
وفي المجمع اجمعوا أي عزموا جميعا ان يجعلوه في غيابة الجب أي قعر البئر واتفقت دواعيهم عليه فان من دعاه داع واحد إلى الشيء لا يقال فيه انه اجمع عليه فكأنه ماخوذ من اجتماع الدواعى انتهى والآية تشعر بأنهم اقنعوا اباهم بما قالوا له من القول وارضوه ان لا يمنعهم ان يخرجوا يوسف معهم إلى الصحراء فحملوه معهم لانفاذ ما ازمعوا عليه من القائه في غيابة الجب.
وجواب لما محذوف للدلالة على فجاعة الأمر وفظاعته وهى صنعة شائعة في الكلام ترى المتكلم يصف امرا فظيعا كقتل فجيع يحترق به القلب ولا يطيقه السمع فيشرع في بيان اسبابهوالأحوال التي تؤدى إليه فيجرى في وصفه حتى إذا بلغ نفس الحادثة سكت سكوتا عميقا ثم وصف ما بعد القتل من الحوادث فيدل بذلك على ان صفة القتل بلغت من الفجاعة مبلغا لا يسع المتكلم ان يصرح به ولا يطيق السامع ان يسمعه.
فكأن الذي يصف القصة عز اسمه لما قال: {ولما ذهبوا به واجمعوا ان يجعلوه في غيابة الجب} سكت مليا وامسك عن ذكر ما فعلوا به اسى وأسفا لأن السمع لا يطيق وعى ما فعلوا بهذا الطفل المعصوم المظلوم النبي ابن الأنبياء ولم يأت بجرم يستحق به شيئا مما ارتكبوه فيه وهم اخوته وهم يعلمون مبلغ حب ابيه النبي الكريم يعقوب له فيا قاتل الله الحسد يهلك شقيقا مثل يوسف الصديق بايدى اخوته ويثكل ابا كريما مثل يعقوب بايدى ابنائه ويزين بغيا شنيعا كهذا في اعين رجال ربوا في حجر النبوة ونشؤا في بيت الأنبياء.